بسم الله الرحمن الرحيم. الحمدُ للهِ رب العالمين. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريك له, وليُّ الصالحين, وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسوُله, وصفيُّه من خَلقِه وخليله. صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه الطيبين الطاهرين, وعلى كلِّ من اهتدى بهديِهِ ودعا بدعوتِهِ إلى يومِ الدين.
أما بعد, فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله, فإن تقوى الله مَجْلَبة لكل خير, ومنهاةٍ عن كل شرٍ وضَير.
“وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ”, ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا”؛ ” اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ”
إعلموا, عباد الله, أن الأوقاتَ أيامٌ محدودة, وأنفاسٌ معدودة. فمن أمضاها في خيرٍ أو أمضاها في شر, فلن يحصُدَ إلا ما زرع. إذا أنت لم تزرع وأبصرت حاصداً, ندِمتَ على التفريطَ في زمن البذرِ. ومن الأوقات التي يطيب للناس أن يلتقوا فيها, وينتظرها الصغيرُ والكبير, الموظَّف والطالب, وقت الإجازة الصيفية, لأنه وقتٌ يجتمع فيه شملُ الأُسَرْ ويتفرغ فيه الناسُ من أعمالهم ويَنفُض فيه الطلابُ عن كواهِلهم أيام الجد والاجتهاد المتواصل.
كما نوصيكم بحرص التخطيط للإجازة واستغلالها بكل ماهو نافع ومفيد من أجلكم.
الإجازة كنز فأغتنمهّا
هذه الإجازة تسري عليها القواعد التي تسري على سائر الأوقات. من ناحية أخرى فَبالإمكان أن تتحول إلى كنزٍ وثروةٍ لا يقَّدران بثمن, ويمكن أن تصبح هدراً بحيثُ لا يستفيد منها الإنسانُ في شيء. فإذا ما مَضَت وانقضَت, عضَّ على أصابعه ندماً, وقال في نفسه: “يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ”
لذلك تذكر عزيزي القارئ أن من شأن المؤمن أن يُعد العُدة للأمرِ قبل حصولِهِ. ومع ذلك فالإجازة ليست ببعيدةٍ عنَّا فهي تصادفنا خلال كل فصل دراسي يمر علينا.
هناك ايذ الأمور التي أوصي نفسي بها وأوصيكم بها, ألَّا يعود امريءٌ إلى بيته إلا وقد خطَّط في نفسِه أن يجلس إلى أبنائه وزوجِه, بحيث يضعون خطةً متكاملةً لهذه الإجازة: كيف نقضيها, وفيمَ نُمضيها يجب عليهم بحرص الـ تخطيط للإجازة.
كيف نقضيّ أوقات الإجازة ونخطط للإجازة بحرصّ
- كيف نقضي وقت الفجر الذي أقسم اللهُ به في كتابه فقال: “وَالْفَجْرِ”, وكيف نقضي وقت الضحى الذي أقسم اللهُ به في كتابه فقال: “وَالضُّحَى”؟
- كيف نقضي وقت العصر الذي أقسم الله به في كتابه فقال: “وَالْعَصْرِ”؟
- كيف نقضي وقت الليل الذي أقسم اللهُ به فقال: “وَاللَّيْلِ”؟
لذلك فإذا استرشدنا بأيآت الكتاب الكريم ووضعنا نصب أعيننا حديث المصطفى صلَّى اله عليه وآله وسلَّم:
” لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع, عن عمرهِ فيما أفناه, وعن شبابهِ فيما أبلاه, وعن مالِهِ من أين اكتسبه وفيما أنفقه, وفي رواية وماذا عَمِلَ في ما عَلِمَ”.
يجب علينا أن نسأل أنفسنا هذه الأسئلة قبل أن نُسأل إياها يوم القيامة.
خطة متكاملة لــ تخطيط الإجازة
- لتخطيط للإجازة ينبغي أن نضع خطةً متكاملة , تشمل أولاً ما يختص بأمور ديننا.
بالأخص ألا وإن من أهم الأمور على الإطلاق, تعلُّم القرآن الكريم وتعليمه لمن لا يعلمه. فالرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يقول: “خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه”, ويقول: “بلِّغوا عنِّي ولو آيه”. إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوَم.
- فينبغي أن تجلس إلى أبنائك وبناتِك, وتجلس إلى نفسك كذلك, بحيث تضع للقرآنِ نصيباً من إجازة الصيف.
على الأقل في كل يومٍ وليلة عشرون دقيقةً من وقتك, عشر دقائق في وقت النهار, وعشر دقائقَ في وقت الليل. عشرون دقيقة من أربعٍ وعشرين ساعة لا تساوي شيئاً كثيرا.
- ينبغي علينا نحن الأهالي التخطيط في الإجازة لأبنائنا ومن هذه الخطط،حُضَّهم على حضور حلقات المساجد في الفجر, وفي المراكز الصيفية, وفي جلسات الذكر التي تُعقد بين العشاءين أو غيرُ ذلك من الأوقات.
- خطِّط لأن تشتريَ لأبنائك الكتب والأشرطة والأقراص وغير ذلك من الوسائل التي تُعَلِّمهم أحكام التجويد وتجعلهم قادرين على تلاوة القرآن تلاوةً صحيحة, وعلى التعامل مع القرآن الكريم تلاوةً وحفظاً وتدبُّراً وفهماً وتطبيقا.
- من الأمور التي ينبغي أن نضع لها نصيباً من خطتنا في الإجازة, القراءة العامة.
نحن أمةٌ كنَّا في جاهليةٍ مقيتة, وكنَّا في ظلامٍ دامسٍ, فأخرجنا اللهُ من الظلمات إلى النور بكلمة واحدة غيَّرت مجرى التاريخ وقلبت الأوضاع رأساً على عقِب وجعلت رعاة الغنم قادةً للأمم. إنها كلمة “إقرأ”, أول كلمةٍ نزلت من القرآن الكريم.
في الواقع بهذه الكلمة أصبحنا في يومٍ من الأيام قادةً للأمم, يهابنا الدهر, وينظر إلينا الآخرون نظرة إعجاب. وحينما تركنا كلمة إقرأ وتوجَّهنا إلى غيرها من الوجهات, أصبحنا في ذيل الأمم.
نملك ثروةً بشريةً لا يعرف البشر لها مثيلا. نملك طاقاتٍ, ونملك ثرواتٍ ومعادن وغير ذلك, مع ذلك نحن آخرُ المستفيدين منها, وليس لنا من مَخرجٍ إلا هذه الكلمة.
مقترحات تجعلك تخطط للإجازة لتستمتع بقضاء وقتك
1- تخطيط الإجازة بواسطة شراء الكتب النافعة
يوجد هناك بعضَ من الإحصائياتِ المُخزية التي يَخجلُ المرءُ من ذكرِها تُثبتُ أن الإنسان العربي يقرأ ثلاثين ثانيةً
في الشهر؛ بمعنى أن مُعدَّل ما يقرأهُ الإنسانُ العربيّ هو ثانيةٌ واحدةٌ في كلِّ يوم.
لذلك ينبغي علينا تخصيص للقراءة نصيباً من الإجازة. من الخطط التي يمكنك من خلالها التخطيط للإجازة شراء الكتب.
لا تبخل بمالك. اشتري لهم الكتب النافعة والمجلات يمكنك شراء مجموعة من الكتب المفيدة من متجر سدرة.
بالإضافة إلى ذلك وسائل القراءة والتعلُّم الأخرى، كن لهم قدوةً في ذلك.
2- اجعل الكتب صديقةً لكم
يجب عليك أن تجعل أعيُنهم تنفتح على الكتاب في كل مكان: في غُرَف نومهم, في المجلس, في الصالة,
في الدهليز, في غُرَف ألعابهم, في المطبخ, في أي مكان.
عموما اجعل الكتبَ تصطَف في كل مكان. وكن لهم قدوةً بحيث إذا دخلت إلى البيت, تقضي وقتاً من الأوقات في القراءةِ وهم يشهدون.بذلك تتغير الأمة وتتفتَّح عقولُها وتصبح أمةً تقود الأمم.
3- تخطيط الإجازة عن طريق اختيار لترويح النفسّ
وأما الأمر الثالث, وهو أمرٌ لا يقل أهميةً عمَّا سبقه, فهو الترويح عن النفس, فإن القلوبَ إذا كَلَّت عَمِيَتْ.
يجب عليك الحرص على أن تضع لهم خُطَّة, بحيثُ تنقلهم إلى أقطارِ بلادِهم يشهدون الحضارات التي شهدها أجدادهم. مثلا ينظرون إلى القِلاع والحُصون المجيدة, وينظرون إلى آثار أولئك القوم الذين استمسكوا بالتقوى, كيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه.
كيف يمكنك قضاء الإجازة خارج المنزل
حيثُ يندرج تحت ذلك أن تُخطِّط لكي تأخد ابناءك إلى الحدائق والمتنزهات, وإلى أماكن اللهو والترويح البريء الذي يجمعُ
مع المتعةِ فائدةً, وأيُّ فائدة؟! لذلك احرِص على أن تكون في كلِّ أمرٍ من هذه الأمور قرآنياً في نظرتك وتوجهاتك.
بالتالي فإذا ذهبت إلى منطقةٍ جبلية, فليكن في أثناءِ الطريق مسابقة من آيِ القرآنِ الكريم, كيف تحدَّث القرآن عن الجبال؟ وأين ذُكِرَت؟ ما أشكالها؟ وما ألوانها؟ وكيف كانت الفلسفةُ الإسلاميةُ منطلقةً بحيثُ تَذكُرُ كلَّ مفردةٍ من مفردات البيئة. ثم اجعل ذلك منطلقاً لكي تَحُضَّ أطفالك على التأمل في ملكوت السموات والأرض؛
بذلك سوف تقوى عقيدتهم, وبذلك يُصبحون أناساً مؤمنين حقاً وصدقا.
هذه هي الثلاثيةُ الذهبية التي أوصيكم بها:
- أن تجعلوا للقرآنِ نصيبا.
- وأن تجعلوا للكتابِ نصيبا.
- وأن تجعلوا للترويح الممتع نصيبا.
ثم أقولُ قولي هذا, وأستغفرُ الله العظيم لي ولكم. فاستغفروه يغفر لكم, إنَّهُ هو الغفور الرحيم. وادعوه يستجب لكم إنه هو البرُّ الكريم.
تخطيط الإجازة هو جوهر الانتظام
الحمد لله رب العالمين. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريك له, وليُّ الصالحين, وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبدُه ورسوُله, وصفيُّه من خَلقِه وخليله. صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وصحبِه الطيبين الطاهرين,
وعلى كلِّ من استنَّ بسنَّتِه ودعا بدعوتِهِ إلى يومِ الدين.
أمَّا بعد, عباد الله, لقد دأب كثيرٌ من الناس في عصرٍ تعَّقدت فيه العلاقات, وفي عصرٍ أصبحت فيه الحياةُ تستعصي على السيرِ بانتظامٍ, إلا لمن خطَّط ونظَّم. دأب كثيرٌ من الناسِ على أن يُخطِّطوا في أذهانهم,
وكأنهم تغافلوا أن كلمة الخطِّ إنما جاءت أصلاً ممَّا خطَّتهُ الأقلام.
التخطيط في منهج القرآن
من أجلِ ذلك من أراد أن يُطبِّق ما قال, ينبغي لكل امرئ أن يضع خطته على الأوراق المكتوبة.
وغيرِ خافٍ عليكُم أن أول آيةٍ في القرآن الكريم إنَّما هي الآيةُ الدَّيْن التي تعلَّقت بالكتابة,
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ”. وارجعوا إلى هذه الآية في سورة البقرة, وانظروا كم مرَّة تكرَّرت كلمة الكتابة ومشتقاتها: “فَاكْتُبُوهُ”, ” وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ “, ” وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ “, إلى غيرِ ذلك.
وإذا كان هذا هو الأمر في دَينٍ بيننا وبين الناس, فحريٌّ بنا أن نستخدم الكتابة في دَينٍ بيننا وبين أنفُسنا. فخطة حياتنا ينبغي أن تكون مكتوبةً على الأوراق.
اكسر شهوات النفس, واعصِ الهوى, واعصِ الشيطان, وتَمَلَّك قلماً وورقةً. فإذا رجعتَ إلى بيتِك فاكتب خطةً مكتوبةً على الأوراق بحيث تكون وثيقةً بينك وبين نفسِك, ووثيقةً بينك وبين عيالك كذلك.
ثم ضع تلك الخُطَّةَ المكتوبة في مكانٍ يراه أهلُ البيت, الرائحُ والغادي, الصغيرُ والكبير, الرجلُ والمرآة.
فإنَّكم إذا وضعتم هذه الخطةَ مكتوبة, فإنَّكم سوف تتذكرونها في كل وقتٍ وفي كل لحظةٍ وحين.
تلعب الخطط المكتوبة دورًا فمن خلالها تنفعلُ النفس وتثورُ الرغبةُ في نفسِ الإنسان,
ويتحمَّسُ المرءُ لكي يُطَبِّق ما قالَ وما كَتَب. فتصبح الأوراقَ بعد ذلك واقعاً في حياتنا.
أهمية التخطيط في دراسات مثبتة
ولذلك قد أثبتت دراساتٌ كثيرة أن من يكتُب ما خطَّط له في ذهنه, فإنَّه يستطيع أن يرتفع في تطبيقه بنسبة تسعين بالمئة عمَّن خطَّط في ذهنه ولم يكتُب ما خطَّط له. فخطِّطوا لإجازاتكم, وَضَعوا خططكم مكتوبة.
واعلموا أن هذا هو النهجُ الإسلاميُّ السليم. ولولا ما خَطَّته الأوراق, لما وصل إلينا ما كتبه علماؤنا وما كَتَبَته الحضاراتُ الأخرى.
فاتّقوا الله, عباد الله, ولا تضيعوا أوقاتكم سُدَى. واعلموا أن الذي أقسمَ بالفجر والضحى والعصر والليل حريٌّ أن يحاسبنا عن كل لحظةٍ من لحظات حياتنا.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على إمام المرسلين, وقائد الغُر المُحَجَّلين.ياعباد الله قد أمركم الله بذلك حيث قال:
” إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”.
اللهم صلِّ وسلِّم على محمد وعلى آل محمد, كما صلَّيت وسلَّمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد, كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم, في العالمين, إنك حميدٌ مجيد.
في الختام نسأل الله
في نهاية المطاف اللهم تقبَّل منَّا صالح الأعمال, وسدِّدنا في جميع الأقوال والأفعال, ووفِّقنا لمرضاتك يارب العالمين. اللهم إنَّا نستغفرك, فأرسل السماءَ علينا مِدرارا. يارب نسألك أن تعزَّ الإسلامَ وأهلَه, واخْزِ الباطلَ وحزبَه.|
ياحيّ ياقيوم عليك بأعدائكَ أعداءِ الإسلام حيثما كانوا, يا ذا الجلالِ والإكرام.
اللهم أعزَّ أوطانَنا وانصر سلطانَنا, وأيِّده بالحق, وأيِّد به الحق يارب العالمين. اللهم إنَّا نسألُك الخيرَ كلَّه, فواتحه وخواتيمَهُ, ما علِمنا منه وما لم نعلم, ونعوذ بك من الشر كلِّهِ, فواتحِهُ وخواتيمِهُ, ما علِمنا منه وما لم نعلم.
عباد الله, إن الله قد أمركم بثلاثٍ فاتبعوها, ونهاكُم عن ثلاثٍ فاجتنبوها:
- إن الله يأمر بالعدلِ والإحسان
- وإيتاءِ ذي القربى
- وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.
في النهاية يعظكم لعلكم تذكَّرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نِعَمِهِ يَزِدْكم.
وَلَذكرُ اللهِ أكبر, والله يعلم ما تصنعون.