دليلك العملي لتربية الطفل على تحمل المسؤولية

طفل يقوم بسقي الأشجار مع والده.

جدول المحتويات

التربية على تحمل المسؤولية في القرآن

صورة مصحف قرآن مع مسبحة بجانبه.

إن آيات الكتاب العزيز حافلةً بكثير من مواقف الأنبياء والصالحين في تعويد أبنائهم على تحمل المسئولية منذ
نعومة أظافرهم ومن هذه المواقف ماسنقوم بذكرها والتي تعد ضمن طرق تربية الطفل على تحمل المسؤولية:

  1. فمن ذلك ما قاله الله تعالى عن إبراهيم – عليه الصلاة والسلام- :{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}، ومعنى { بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} أي أنه استطاع أن يسير مع ابنه ويجئ، وبلوغه السعي مع أبيه دليلٌ على أن أباه كان يُحَمِّله المسئوليه، فكان إذا ذهب إلى مكانٍ أخذ ابنه معه ليكون شريكاً له في الأمر.
  2. ومن ذلك قول أم موسى لابنتها:{ وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ } أي تتبعي أثره، فحملت ابنتها مسئولية تتبع أثر أخيها أين يذهب، ثم لما استقر به المقام مع آل فرعون ذهبت البنت لتفاوض آل فرعون على رضاع أخيها الصغير
  3. وكذلك ما جاء عن صاحب مدين من أنه كان يرسل ابنتيه { وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ}، فإن لقاء موسى
    – عليه السلام – بتلكما المرأتين دليلٌ على أن أباهما عودهما على تحمل المسئولية لاسيما عندما شاخ وكب
  4. ومن ذلك قول الله –سبحانه وتعالى-:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ}، فلم يكن إبراهيم يرفع القواعد وحده، وإنما كان ابنه إسماعيل يرفع القواعد معه.

إلى غير ذلك من آيات كتاب الله ومن آحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم.

التربية على تحمل المسؤولية فريضة من طرق تربية الطفل على تحمل المسؤولية

إن من أوجب الواجبات على الآباء أن يعودوا أبنائهم على تحمل المسئولية ذكوراً كانوا أو إناثا، أما أن يُربى الولد
على أن تُلبى له كل الإحتياجات ويُعطى كل شئٍ كأنما يُلقم بالملعقة فإن ذلك ليس في صلاح دنياه
ولا دينه ولا آخرته و تربية الرضيع على تحمل المسؤولية.

إن تربية الطفل على تحمل المسؤولية يمر على مراحل؛

تحمل المسئولية

فأول التعويد ينطلق من تعويده على تحمل المسئوليةِ فيما يتصل بغذائه ونومه، فعندما يأتي الطفل
ليتغذى فإنه – حتى وإن كان في سن الرضاع – يُمكن من أن يدهن الجبنة بالخبز بنفسه، يغمسها بنفسه،
وأن يقصها بنفسه، وأن يأخذ اللقمة بنفسه، أو مع معونة والديه.
إن الطفل سيقع في أخطاء كثيرة في بداية تحمله للمسؤولية، ولكنه مع الأيام يتعود

معاونة والديه

طفل يقوم بترتيب سريره وهذا التصرف ضمن تربية الطفل على تحمل المسؤولية.

وعندما نأتي إلى أمر النوم فإنه يُعود على أن يوضب سريره وينظفه بمعونة والديه، ثم مع الأيامِ فإنه يتكفل
بكل ذلك دون عون من أحد.

تحمل مسؤوليات اللعب ضمن تربية الطفل على تحمل المسؤولية

وبعد أن يتم سن الثالثة فإنه ينطلق إلى اللعب الجماعي، واللعب ضرورة من ضرورات الحياة للطفل:

من خطوات تحمل المسئولية في العمل.
  1. فيُعود على تحمل المسئولية بأن يقود فريقاً في المنزل
  2. ثم يقود فريقاً في اللعب مع أهله
  3. ثم يقود فريقاً للعب في حدود حارته وفي حدود قريته

كل ذلك برقابةٍ من الوالدين؛ حتى لا تقع أمورٌ فيها خطورةٌ على أخلاقه أو على تعامله أو على جسده أو على أي
أمرٍ من الأمور. فتعويده على تحمل المسئولية في اللعب من حيث قيادة الفرق ومن حيث المشاركة في ابتكار
الألعاب ومن حيث المشاركة في الألعاب التي تتطلب حمل بعض الأمورِ التي فيها ثقل،
كل ذلك ينصب في مصلحة الطفل.

تحمل مسؤوليات العمل من أساسيات تربية الطفل على تحمل المسؤولية

ثم بعد ذلك يُعود الطفل على تحمل المسئولية في العمل:

طفل يقوم بالتسوق برفقة والده تعد تحمل مسؤوليات العمل ضمن أساسيات تربية الطفل على تحمل المسؤولية.
  1. إذا ذهب الرجل لشراء شيئ من السلع من السوق فينبغي له أن يأخذ أبناءه معه.
  2. يعودهم على أن ينقسموا إلى مجموعات؛ هؤلاء يذهبون إلى قسم الخضروات والفواكه، وهؤلاء يذهبون إلى
    قسم المُجمدات، وهؤلاء يذهبون إلى قسم المواد الصحية، وهكذا.. فكل واحدٍ منهم أو كل اثنين يتحملون
    شيئاً من هذه المسئولية.
  3. يعودهم بذلك على الإنتقاء والاختيار بحيث يختارون أواسط الأمور وأجودها، فلا يختارون سلعاً رخيصةً فينتج
    عنها الضرر، ولا يختارون سلعاً غاليةً تضر بهم؛ انطلاقاً من
    قول الله –سبـحانه وتعالى-:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا}
  4. إذا ذهب إلى السيارة فإنه يجعلهم يشاركونه في حمل الأغراض، كل واحدٍ منهم على حسب ما يطيقه
    من حيث عمره، ومن حيث صحته، ومن حيث قدراته العقلية بالتالي أنت تساعد على تربية الطفل على تحمل المسؤولية.

تحمل مسؤوليات كسب الرزق

وإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه ينبغي أن يُكلف بشيء من الأعمال التي تدر عليه دخلا، فبذلك يمارس التجارة
ويمارس ريادة الأعمال ويتحمل هذه المسئولية.

وهذا المبدأ أشار إليه قوله سبحانه: (وَابتَلُوا اليَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِن آنَستُم مِنهُم رُشدًا فَادفَعوا إِلَيهِم أَموالَهُم) قال قطب الأئمة في (تيسير التفسير): ”وَابْتَلُوا} اختبروا {اليَتَامَى} قبل البلوغ ببيع ما قل، وشراء ما قل،
وبيع الطفلة غزلها ونحوه مما قل، وشراء مثل ذلك، أو بقوله على تبيع كذا بكذا أو تشتريه بكذا،
أو يعقد بيعاً أو شراء ويحضر له، فيقول له: هل يصلح هذا فيمضى البيع” اهـ

ماقاله القرطبي في تحمل مسؤوليات كسب الرزق

وقال القرطبي: ”قال جماعة من الفقهاء: الصغير لا يخلو من أحد أمرين؛ إما أن يكون غلاماً أو جارية؛ فإن كان غلاماً ردّ النظر إليه في نفقة الدار شهراً، أو أعطاه شيئاً نَزْراً يتصرّف فيه؛ ليعرف كيف تدبيره وتصرفه، وهو مع ذلك يراعيه
لئلا يتلفه؛ فإن أتلفه فلا ضمان على الوصيّ. فإذا رآه متوخِّياً سلّم إليه ماله وأشهد عليه.

وإن كانت جارية ردّ إليها ما يُردّ إلى رَبّة البيت من تدبير بيتها والنظر فيه، في الاستغزال والاستقصاء على
الغزّالات في دفع القطن وأجرته، واستيفاء الغزل وجودته. فإن رآها رشيدة سلّم أيضاً إليها مالَها وأشهد عليها.
وإلاّ بقيا تحت الحَجْر حتى يُؤنس رُشدهما. وقال الحسن ومجاهد وغيرهما: ٱختبروهم في عقولهم وأديانهم وتَنْمية أموالهم.” اهـ

تحمل مسؤوليات التطوع

ومن الأعمال التي ينبغي ألا يغفل عنها أحد المشاركة في الأعمال التطوعية قليلها وكثيرها؛

  1. على سبيل المثال: عندما يذهب الطفل إلى المسجد أو يذهب إلى السبلة لعزاء أو لفرح أو لأي مناسبةٍ
    من المناسبات فينبغي للوالد أن يحرص كل الحرص على أن يشترك ولده في حمل الماء أو في حمل
    القهوة أو في حمل دلة القهوة أو المشاركة في غير ذلك من الأعمال
  2. عندما تُقام الأعمال التطوعية من جمع للصدقات أو توزيعها فينبغي لولي الأمر أن يحرص على أن
    يكون ابنه حاضراً يشارك في كل ذلك؛ فإن في ذلك تعويداً له على تحمل المسئولية.
  3. يتطوعون في تحمل مسئولية التعليم؛ فيكون الطالب معلماً لغيره في مدرسته، فمن وهبه الله تعالى
    سرعة القراءة ودقتها فيُعَلِّم من لا يعرف القراءة

تحمل مسؤوليات التعليم يساعد في تربية الطفل على تحمل المسؤولية

ثم بعد ذلك يتعود الطفل على تحمل المسئولية في أمر العلم:

طفل يقوم بحمل مجموعة من الكتب ويبتسم بسعادة تحمل مسؤولية التعليم ضمن أسس تربية الطفل على تحمل المسؤولية.
  1. فيعلم إخوانه الأصغر منه، حتى الطفل الذي بلغ إلى سن الرابعة ينبغي أن يُعود على تعليم إخوانه الذين
    مازالوا في سن الرضاعة كيف ينطقون لفظ الجلالة؟ “الله الله الله ربي، محمدٌ نبيي”.
  2. ينبغي أن يُعودوا على تعليم إخوانهم الأصغر منهم سورةَ الفاتحة وقِصار السور، وبعد ذلك إذا استطاعوا
    أن يقرأوا فليُعودوا أن يقرأوا لإخوانهم الأصغر منهم.
  3. كذلك ما يتصل بالكتابة والرياضيات وغير ذلك من المواد كلٌ على قدر ما وهبه الله سبحانه وتعالى.

تحمل مسؤوليات العبادة

طفل يقوم برفع يديه والدعاء.

‎ثم بعد ذلك يُعودون على تحمل المسئولية في أمور العبادة؛ فقد جاء في الحديث الشريف أن قوماً جاءوا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا، فلما أرادوا أن يعودوا طلبوه منه – صلوات ربي وسلامه عليه –
أن يعين لهم إماماً أو أن يرسل معهم إماماً، فنظر فإذا أقرأهم طفلٌ اسمه عمرو بن سلمة، كان سنه ما بين السادسة والسابعة، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً لهم يصلي بهم صلوات الفرائض

وهكذا وجدنا مشايخنا يحملون تلاميذهم المسئولية في أمر العبادة سواءً كانت صلاة نافلة أو كانت إلقاء دروس
أو إقراء قرآن أو تعليم التجويد مادام الطفل قادراً عليه.

طرفة في تحمل مسؤوليات العبادة

ومن طريف القصص التي تحضرني في هذا السياق أن شيخنا الصوافي – حفظه الله – كان له تلميذ صغير
نديّ الصوت، فكان كثيرا ما يقدمه ليصلي بنا صلاة الضحى.

وسرعان ما تصرمت أيام المركز الصيفي، فعاد الطلاب إلى بلدانهم.

فلما جاء الصيف التالي قدّم الشيخ تلميذه الصغير ليصلي بنا الضحى – على العادة – ولكنه فوجئ بأن الصوت
ليس الصوت، وكنت عن يسار الشيخ في الصف، فلما سلّم الإمام همس الشيخ في أذني: بَلَغَ الولد 😂.

مسارات تحمل المسؤولية

إن تعويد الطفل على تحمل المسئولية ينبغي أن نتّبع فيه عدة مسارات:

المسار الأول

‎فالمسار الأول أن يكون الجزاء فيه جزاءً معنوياً محضاً، فإذا قام الطفل بشئٍ ينفعه بنفسه ولا يتعدى نفعه إلى غيره من مثل أن يأكل الطفل الرضيع بنفسه، أو أن الطفل الذي وصل إلى سن التمييز يقوم بشئٍ تعود مصلحته إليه وحده،
كأن يتعلم علماً يرفع درجاته في المدرسة أو غير ذلك من الأمور، أو أنهم شاركوا في أمرٍ يعود نفعه للأسرة بأكملها وهم أحد أفرادها، فإن الجزاء هنا يكون جزاءً معنويا

الجزاء المعنوي من أساليب مسارات تحمل المسؤولية

والجزاء المعنوي يكون بكلماتٍ فيها تحفيز، كأن نقول له:”بارك الله فيك”، أو نقول له:”أحسنت”، أو نقول له:
“أبدعت”، أو أن نقول له:”يا عبقري!”، أو نقول له:”أنت ذكي”، أو نقول له:”أنت قد أنعم الله عليك”، إلى غير ذلك من الكلمات التي تحفزه، أو ويمكن أن يكون الجزاء المعنوي بنجوم تُلصق له، أو بجزازة ورقٍ نخلِّد فيها ما فعله وكأنها شهادة تقدير إلى غير ذلك من الأساليب.

‎المسار الثاني

‎المسار الثاني الجزاء المادي، فإذا علّم الطفل غيره وكان ذلك التعليم لو أوكلناه إلى غير ذلك الطفل فإننا سندف
جزاءً مالياً فإنه ينبغي لنا أن نعطيه على قدر عنائه وجهده.

فعلى سبيل المثال إذا كلفت ولدك الذي وصل إلى سن السابعة أو العاشرة بأن يعلّم أخاه الذي وصل إلى
سن الرابعة سورة الفاتحة فينبغي تشجيعاً له وتحفيزا أن تعطيه قدراً يسيراً من المال، مائة بيسة أو مائتين أو
ريالاً على قدر حالك وعلى قدر ما فتح الله لك من باب الرزق؛ لأن الله تعالى يقول:{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ}،
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: « إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله ».

التعلم بين الأخوان من ضمن أساليب المسار الثاني

‎وهكذا عندما يعلّم إخوانه الشعر فقد كان بعض الآباء يعطون على حفظ الشعر، وأشعار العرب هي الديوان
الذي يُفهم به كتاب الله تعالى، اهتم به الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – واهتم به الخلفاء الراشدون،
ودعا إلى حفظه العلماء الموفَقون، فإذا حفظ ولدك بيتاً من الشعر بنفسه فإنه وإن كان العائد هنا يعود إليه
بنفسه فينبغي أن تكافئه على ذلك، وإذا حفّظ غيره من إخوانه فينبغي أن تكافئه على ذلك.

‎وهكذا بالنسبة للأعمال، فإذا اشترك معك في الإتيان بشئ من السلع من السوق إلى المنزل فهنا نجعل له مكافأة معنوية

أما إذا عمل عملاً كأن يغسل السيارة أو أن يشترك أبناؤك في غسل سيارتك فإنهم إن لم يغسلوها
فستأخذها إلى المغسلة وتدفع هناك أضعاف ما قد تعطيهم إياه؛ ففهي هذا تعويدٌ لهم على الكسب،
وليس فيه من إضاعةٍ لهم، وليس فيه من تربيةٍ ماديةٍ كما يحسب البعض، فهذا هو الضابط: ما ينبغي فيه التطوع عودهم فيه على التطوع، وما تدفعه لغيره ادفع نصفه لهم وبذلك تكسب الحُسْنيين