طرق التربية بالمجالسة

والد يمسك بيد طفله.

جدول المحتويات

حدثني المجربون
لقد أكرمني الله –سبحانه وتعالى- بالإختلاف إلى عددٍ من الحكماء مختلفةٌ أعمارهم،
وقد سألت كل واحدٍ منهم السؤال نفسه:”ما الذي أكسبك هذه الحكمة؟”، وكان جوابهم واحداً: بأن آباءهم كانوا يحرصون على أخذهم إلى مجالس الرجالات، ومنهم من كان يسافر بولده مسافةً ليست بالقصيرة؛ حتى يُجالس الرجال،
وحتى يكتسب منهم الحكمة.


أما أن يعيش الطفل طفولته في المدرسة بين النساء، ثم بعد ذلك يقضي بقية يومه مع من هم في مثل عمره
إلى أن يصل إلى أعمار الرجال وهو لم يجلس يوماً واحداً في مجالس الحكماء؛ فإن هذا يُخشى عليه أن يكون ليناً بعد يصل إلى سن البلوغ، وبعد ذلك لا يستطيع أن يتصرف؛ لأنه في الحياة مثل الرضيع الذي لم يُفطم عن الرضاعة.

التربية بالمجالسة في القرآن

والد يقرأ مع ابنه القرآن الكريم وهذه من طرق التربية بالمجالسة.

إن كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فيهما الكثير الطيب من التربية بالمجالسة، فثَمَّة مجالسةٌ خاصةٌ بين الوالد وولده؛ وذلك من مثل قوله –سبحانه وتعالى- عن إبراهيم وإسماعيل:{ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}، فهذه جلسةٌ خاصةٌ بين إبراهيم وابنه.
وثَمَّة مثالٌ آخر:{وإذ قال لقمان لابنه…لا تشرك بالله}.
وثَمَّة مثالٌ ثالثٌ:{ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا }.
وثم مثالٌ رابعٌ فيه مجالسة الوالد لأبنائه جميعاً:{ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ…} إلى آخر الآية الكريمة.

التربية بالمجالسة في السنة


وقد ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرٌ من الأمثلة على مجالسة الأطفال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع صحابته.
ومن ذلك ما رواه ابن عباس-رضي الله تعالى عنه- إنه كان جليساً مع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فأوتي بكوبٍ ليشرب، فأراد أن يناول من بعد ابن عباس، فقال له:”أتؤثر هذا الشيخ؟!”،
فقال:”لا أوثر بمكاني منك أحداً يا رسول الله”، وكان ابن عباس في ذلك الوقت ما زال طفلاً.

إلى غير ذلك من الأحاديث التي رواها ابن عباس –رضي الله تعالى عنه- عن مجالسه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و صحابته، وهكذا فعل مع أنس بن مالك ومع غيره من صحابته الكرام رضي الله عنهم و أرضاهم..

أهمية التربية بالمجالسة

والد يحمل طفله فوق رقبته.

إن التربية بالمجالسة ركنٌ ركينٌ من أركان التربية؛ فلا يمكن للأب أن يتخلى عن مسؤليته بأن يأتي أبناءه بالكتب،
وأن يأتيهم بغير ذلك من صنوف أدوات التعلم، ثم يُسلمهم إلى غيره، ويكتفي بذلك ويقتصر عليه.
بل لابد له من أن تكون له مجالس خاصة مع أولاده –لاسيما الصغار منهم- وكذلك لابد أن يأخذ أبناءه وأطفاله
إلى المجالس العامة، أما المجالس الخاصة فتكون تلك المجالس فيها من ذكر الله –سبحانه وتعالى-
ومن التعليم ومن المشاركة في العمل وفي اللعب وفي اللحظات التي تسبق النوم، وأما المجالس التي يأخذ
فيها أبناءه فليحرص على أخذِهم إلى مجالس الرجالات؛ حتى يكتسبوا الحكمة.

آداب المجالسة

ومن الأمور التي تنبغي عند أخذ الأطفال إلى مجالس الرجالات:

الأخذ بالتقاليد

عائلة ترتدي لبس عماني تقليدي حيث يعد الأخذ بالتقاليد من طرق التربية بالمجالسة.

أن يحرص على تأديبهم على الأخذ بالتقاليد، ففي عُمان مثلاً تقتضي التقاليد أن يتمنطق الرجال،
وأن يأخذوا معهم عصيهم، وأن يلبسوا الجديد، وأن تكون على رؤوسهم المسارة أو العمائم؛ فينبغي أن يُعود
الطفل على ذلك منذ نعومة أظافره.

ومما ينبغي كذلك أن يُعود على أنه إن ركب أو نزل لا يتقدم من هو أسن منه، بل يتأخر إلا أن يتقدمهم لفتح باب.

آداب الوقوف عند المجالس والبيوت

يُعود كذلك على آداب الوقوف عند المجالس والبيوت؛ فلا يقف قبالة الباب، بل يقف عن يمين الباب أو عن شماله،
ولا يدخل حتى يؤذن لهم

أن يجلس حيث إنتهى المجلس

يجب أن يُؤدب الطفل كذلك على أن يجلس حيث إنتهى المجلس إلا أن يكون مجلس أسرة أو مجلسٌ فيه عددٌ قليلٌ،
كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع ابن عباس، أو أن يكون في المجلس جمعٌ كبيرٌ من الأطفال
فيُخشى أن يثور اللغط؛ فالحكمة هنا تقتضي أن يجلس كل طفلٍ عن يمين أبيه أو عن شماله.

أن يستمع ما يُقال

مما ينبغي أن يُؤدب عليه الأطفال كذلك على أن يستمعوا ما يُقال، وأن يتعلموا آداب الإستماع والصمت،
ومن الأمور المهمة جداً والتي يغفل عنها كثيرٌ من الناس، وأدى تركها إلى تقليل الآثار الإيجابية الحسنة من تلك المجالس.

وهو أمرٌ مهمٌ أرجو أن تصيخوا له كثيراً…أنه ينبغي للوالد بعد خروجه من المجلس أن يسأل أولاده ماذا سمعتم؟ وماذا إكتسبتم؟ وماذا تعلمتم؟ حتى يتعودوا أن يُنصتوا للحكم التي تُقال؛ فإن الحياة فيها علم وفيها حكمة،
والله -سبحانه وتعالى- يقول:{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }، فمن أراد التجارة فليصاحب التجار، ومن أراد العلم فليصاحب العلماء، ومن أراد الحكمة فليجلس إلى الحكماء…


وهؤلاء الحكماء قد يكون أحدهم ممن تحتقره العينان، ولكن آتاه الله –سبحانه وتعالى- الحكمة، سواءً كان شاباً
في مقتبل العمر، أو كان شيخاً طًعِناً في السن، أو كانت عجوزاً في عُقر دارها.

فكل هؤلاء ينبغي مجالستهم، وينبغي أن يُعود الأطفال على التأدب معهم بآداب المجالس.

التغاضي عن أخطاء المجالسة

فاحرصوا –يرعاكم الله- على أن تأخذوا أبناءكم إلى مجالس الرجال، وعلى أن تغضوا الطرف عما قد يصدر منهم
من أخطاءٍ ومن هنات؛ فإنها طبيعة الأطفال، وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يفعل؛ فقد
جالسه أنس بن مالك –رضي الله تعالى عنه- منذ أن كان في سن التاسعة إلى أن وصل الثامنة عشر،
ويُروى عن أنسٍ –رضي الله تعالى عنه- أنه قال:” خدمت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين،
فما قهرني وما ضربني، وما قال لشيء فعلته: لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله، ألا فعلت كذا”.


فمن الخطأ البين أن الإنسان عندنا يذهب إلى مكانٍ لا يأخذ معه صغاره، أو إنه إن زاره ضيفٌ من الحكماء أو
من الرجال الكبار يعمد مباشرة إلى إخراج أطفاله من المجلس، بل ينبغي أن يستغلها فرصة من أجل تأديبهم
وتعليمهم على خدمة الناس وعلى الإستماع و على التعلم.