من بعيد .. قبل أن تتوغل إلى قرية مويره .. تتناهى إلى سمعك أصوات الصغار الندية، وهم يتلون آيات الله، بنغمتهم الإفريقية المستميزة
وحينما تقترب ترى بقايا شواخص القبور؛ لبعض فضلاء (الغيوث) الذين سكنوا هذه القرية، ويلاصقها المسجد الذي بنته همة أحدهم. لقد عرف أولئك الرجالات كيف يضاعفون أعمارهم المحدودة، فعاشوا بقدر أعمار الذين انتفعوا بعلمهم وهداهم. هل قلت الرجالات؟ أعتذر عن خطئي إذن؛ فمويره أحياها رجال ونساء.
بعد بضعة أمتار من المسجد تزدحم الصفوف في كتاب قرآني صنع لنفسه جلالا وهيبة على تواضع بنائه، وحين تدخل ستلقاك امرأة مسنة قد تقتحهما عيناك إن لم تسمع قصتها ، قصة ” عاشقة من مويره “.
عاشقة من مويره – قصة المرأة المسنة
وقفت أستمع لها فحبست الدمع ثم تواريت لأسكبه؛ ففي هذا المكان وجد كتاب قرآني قديم نهض به المعلم سعيد
بن مسعود الغيثي، ثم دار الدهر دورته، وأصبح الكتاب أثرا بعد عين ، ومرت الوالدة نصراء بنت راشد بن خلفان
البطاشية زوج الوالد حامد بن خميس بن حامد العيسري فإذا بالذكريات تحاصرها من كل مكان.
هنا كان المعلم يجلس، وهنا كان الصغار يتحلقون حوله، وهذه أشجار الإستعفل والأمبا شهود على أفعال عباد الله في أرضه.
واصطرع في نفس المرأة اليأس والطموح، ثم رأت أننا لن نعذر أمام الله حتى #نعطي_البديل ، فكان قرارها
الجريء، المضحك المبكي في آن.
كنوز مويره الثمينة
قررت الوالدة نصراء أن تفتح كتابا في بيتها لطالب واحد، وما أن تسامع الناس حتى ازدحم الطلاب أمام بابها،
وهناك هب وارثو المجد من أهل مويره لينفضوا عن الكتاب غبار الزمن، وعزموا على الحراك في إطار الممكن؛
فإن الله لا يكلف نفسا إلا ما آتاها.
ومن توفيق الله عز وجل أن جمعية الاستقامة كانت في ذلك الوقت قد شرعت في جهدها الدائب، يواصل المخلصون فيها كلال الليل بكلال النهار، فتلاقحت الهمم، والتقى التوفيق على أمر قد قدر. ورجع الكتاب بحال أفضل مما كان عليه.
خرجت من كتاب الاستقامة في مويره بكنوز ثمينة، فلقد علم الله أن نيتي هي أن آخذ منهم أكثر مما أعطي،
لأعيد صوغ ذلك الذهب الخالص حليا تنناقلها الأجيال، ولتعلمن نبأه بعد حين.
عبدالله بن عامر العيسري
ظهر الثالث والعشرين من شوال ١٤٣٥ زنجبار – معهد الاستقامة